بقلم: إيمان ماهر منسي
عروس ذو بهاء لن ترى مثله قط. بل لؤلؤة نادرة، حبا الله بها أرض مصر. هي جنة الله التي تخطف الأنظار و تسحر القلوب بزرقة مياهها الفيروزية التي تختلط بصفاء سمائها لتخيط نسيجا متناسقا من النقاء في الأفق. حديثي اليوم عن عروس البحر الأبيض المتوسط و موجة الحب التي صورها الباريء على أرض الكنانة: إنها مدينة الإسكندرية، عاصمة مصر الثانية و أحد أجمل محافظاتها (الإسكندرية و ليست الأسكندرية كما يدعي البعض و ذلك نسبة للإسكندر الأكبر مؤسسها).
[ad id=”10069″]
أسطورة الإسكندر الأكبر استطاعت أن تفتن قاطنيها قبل أن تخطف أفئدة زائريها من المحافظات الأخرى أو سائحيها الذين يأتونها من كل فج و صوب. فالمواطن السكندري عاشق لمدينته الصغيرة الساحرة بل و يصعب عليه الخروج منها و لو لقضاء عطلة صغيرة في قاهرة المعز حيث تكون عندئذ المنافسة على أشدها بين المعز و الإسكندر و لكن عادة ما يفوز الإسكندر الذي نجح، أثناء تأسيسه الإسكندرية، في غرس معاني الحب و الانتماء في قلب كل من يسكن أروقتها. فقط التجول في مدينة الإسكندرية أثناء قيادة السيارة أو سيرا على الأقدام – وهو الحل الأمثل- كفيل بأن يجعلك – قارئي العزيز- تستمتع برقي المعمار و الذوق الرفيع في تصميم المباني السكندرية المميزة – لا سيما شوارع الإسكندرية القديمة و أخص بالذكر شارع فؤاد و الطرق المتفرعة منه كشارع سعد زغلول و صفية زغلول و السلطان حسين و شارع اسطنبول إلخ.. و كأنك في مارسيليا الشرق أو أثينا العرب بل عاصمة الجمال! .. أعلم عزيزي القارئ أنه ينتابك شعور غريب و حالة من التعجب من تلك الكلمات التي سطرتها بالأعلى فهي أشبه بحلم تفيق منه على كابوس مزعج.. تلك الإسكندرية التي تحدثت عنها بالأعلي لم تعد كالسابق: إذ لم يتبق منها سوى أطلال. فالإسكندرية الحالية ليست بعروس مبتهجة ضاحكة و إنما أصابتها شيخوخة مبكرة فأضحت عجوز البحر الأبيض المتوسط: عجوز شمطاء باهتة بل و بات سرطان القبح و انعدام الذوق يسريان فيها و يجتاحانها بكل أرجائها.. فما الذي أصابك يا مدينتي الفاضلة؟
فمنذ انتهاء فترة السيد الفاضل/عبد السلام المحجوب الذي عشقه السكندريون – و هو عشق مبرر مما لا شك فيه حيث أضاف “المحبوب” – كما أطلق عليه السكندريون- لمسة جمالية إلى تلك المدينة التي شهدت في عهده تطورا ملحوظا لم و لن تشهد مثله- و الإسكندرية تعاني من تردي أوضاعها بالكامل؛ خاصة مع توالي محافظين عدة عليها لم يضيفوا شيئا و لكن أساؤا إليها. فقد امتدت يد التخريب و التدمير لتنال من كل ركن في أركان الإسكندرية فها هي مدينتي المغلوبة على أمرها تكتظ بالمباني ذات الارتفاع الشاهق و منها ما هو مرخص و ما هو غير مرخص و هو ما نتج عنه كوارث عدة في الفترة الأخيرة. خير شاهد على ذلك عقار منطقة الأزاريطة المائل الذي أثار ضجة كبيرة و الذي لا نعلم تداعياته حتى تلك اللحظة. نحمد الله أنه لم يكن هناك قتلى أو جرحي و لكن الخسارة فادحة للأسر المنكوبة التي فقدت كل ما تملك دون سابق إنذار. و هنا يتعين علينا تقديم الشكر و التقدير لكل من ساهم في إغاثة هذه الأسر و لكن ما الذي ستقدمه المحافظة لهم؟ هل من حلول سريعة و فعالة؟ و كيف ستردع المحافظة المخطئ؟ الجدير بالذكر أن تلك الحادثة ليست الأولي من نوعها بالإسكندرية حيث شهدت المدينة حوادث عدة من هذا القبيل نظرا لوجود عدد كبير من المباني الشاهقة الغير مرخصة أو المرخصة بالرشوة و الفساد و راح ضحيتها قتلى و جرحي. فهل ستظل المحافظة و المسئولون صامتين عن هذا الهراء و العبث؟
و يستمر مسلسل انعدام الذوق و الإهمال في الإسكندرية فتجد ظاهرة مثيرة للجدل تفرض سيطرتها و ذلك منذ عدة أعوام ألا و هي هدم المباني الأثرية القديمة و القصور و الفيلات الراقية و تحويلها لمبان قبيحة هدفها قتل التذوق الفني و إحياء تذوق الماديات. فقد عانت مدينة الإسكندرية عامة و منطقة سيدي جابر خاصة خلال الأشهر القليلة الماضية مشاكل مرورية جمة و ذلك عقب هدم مسرح السلام العريق ليحل محله فندق كبير و جراج ذو طابقين و كوبري لا أعلم فائدتهم إلى يومنا هذا! و ما التغيير الإيجابي الذي سيطرأه ذلك المشروع على المدينة؟
و لم تتوقف أعمال التخريب عند هذا الحد حيث تم مؤخرا هدم حديقة الخالدين لتتحول إلى موقف للسيارات!! علاوة على ذلك فقد اختفت شواطئ مدينة الإسكندرية و التي كان المصطافون يتمتعون بها في فصل الصيف و ذلك نظرا للإشغالات من مطاعم و كافيهات و غيرها زادت المدينة قبحا على قبح. و يأتي شاطئ ستانلي بكبائنه المميزة الشكل كشاهد على ذلك فقد تم هدم الكبائن جزئيا على أمل تطويرها و لكن ما تراه عيني إلى الآن لهو تخريب مؤكد. من المسئول عن قرارات الهدم تلك؟ ما هي رؤيتك؟ و لم تصر على قتل الجمال في مدينتنا؟
هل يتوقف سرطان القبح إلى هذا الحد؟ بالطبع لا.. فأنا لم أتحدث بعد عن اكوام القمامة المتناثرة هنا و هناك و من ثم أتساءل، لم تم إنهاء التعاقد مع شركة Onyx الفرنسية؟ التي اهتمت خلال فترة تولى المحجوب بنظافة المدينة و جعلت لكل مبنى صندوق قمامة مخصص له و كانت تقوم بصفة دورية بتنظيفه و تطهيره؛ غير المجهود الملحوظ في تنظيف الشوارع بشكل لائق و غسل الأرصفة.. الآن، انتهى كل ذلك ليعود من جديد التكوم العشوائي للقمامة و تجمع الذباب حوله و أما عن سيارة جمع القمامة فحدث و لا حرج؛ حيث تشكل تلك السيارة مصدرا للتلوث السمعي و البصري فضلا عن رائحتها الكريهة التي تغزو قنواتك التنفسية رغما عنك! ألا تهتمون أيها المسئولون بنظافة المدينة التي هي أحد أدنى حقوق المواطن السكندري؟
و بالرغم من كل أعمال التخريب التي أصابت عروسنا و جعلتها عجوزا، يسعى المحافظون أحيانا لإرضاء مواطني الإسكندرية و لكن بلمسات قد تبدو لهم أعمالا تجميلية و لكنهم “يزيدون الطين بلة” فأتعجب من المحافظين الذين يأمرون بهدم الأرصفة بحجة تجديدها و لكنهم لا يهتمون سوى بزيادة ارتفاعها فتصبح عائقا لكبار السن و يضعون بلاطا من نوع ردئ قد يتسبب في حوادث عديدة في فصل الشتاء. كما يأمر المحافظون بطلاء مصابيح الإنارة بألوان مثيرة للاشمئزاز و يطلبون الرسم على جدران المدينة و أسوارها و لكن النتيجة هي رسومات طفولية لا تمت للفن بصلة كتلك التي على أسوار أرض المعارض بالأزاريطة! فعن أي تجميل تتحدثون؟ لم لا يسند المحافظ مهمة تجميل المدينة لمتخصصين من كلية الفنون الجميلة بمساعدة الطلبة الموهوبين؟
نداء عاجل و استغاثة طارئة و التماس موجه إلى المسئولين..
أنقذوا مدينة الإسكندرية فإنها تختنق و تحتضر.. أنقذوا عروس البحر الأبيض المتوسط التي تحولت إلى عجوز قبيحة على يد المخربين.. طهروا مدينة الإسكندرية من الفساد الذي يجتاحها.. كفى هدما و تخريبا! فلتوقفوا مخالفات المباني الغير مرخصة! و لتضربوا بيد من حديد على كل مخرب و فاسد يعمل على تدمير مدينتنا فقط من أجل المصالح الشخصية! و الآن أتوجه برجاء حار إلي أهالي الإسكندرية الكرام الذين يحبون تلك المدينة.. فالمسئولية تقع أيضا على عاتقنا.. لنبذل كل ما في وسعنا و ليقوم كل منا بدوره للحفاظ على عطية الله لنا.. و لنعمل جاهدين معا شعبا و حكومة لإعادة عروس البحر الأبيض المتوسط سالمة غانمة إن شاء الله! ألا تستحق منا مدينة الإسكندرية تلك المبادرة؟